القانون الجنائي

 



-يقصد به مجموع من القواعد القانونية التي تحدد أفعال الإنسان التي تعتبرها جرائم لكونها تمس امن واستقرار المجتمع وتوجب زجر مرتكبيها بعقوبات أو تدابير وقائية .
 -أو بمعنى أخر مجموعة القواعد التي تهتم بتجريم فعل يلحق أضرار بالمجتمع ويحدد العقوبات المقررة لها وكما يحدد الإجراءات والتدابير التي يجب اتخاذها في تحريك الدعوة العمومية .
-أقسام القانون الجنائي:
يشمل القانون الجنائي ضربين من القواعد:
ا-القواعد الموضوعية: أو قانون الموضوع الذي يطبق على موضوع القضايا الجنائية ويقسم إلى قسمين:
 +القانون الجنائي العام الذي يهتم بالأحكام العامة المتعلقة بكل من الجريمة والمجرم والعقوبة والتدبير الوقائي والتي تطبق مبدئيا على كافة الجرائم.
 +القانون الجنائي الخاص: يتناول الأحكام المتعلقة بكل جريمة على حدة وبيان الجرائم المختلفة وهي عديدة ومتباينة وكذا العقوبات المطبقة عليها.
 فهذا القسم من القانون الجنائي يعد تطبيقا للمبدأ الشهير "لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص سايق" حيث يتولى فيه المشرع تحديد التصرفات التي يعدها جرائم واحدا واحدا حتى يتيسر للمخاطب بأحكام القانون الجنائي ممارسة حياته بطمأنينة تامة .
ب-القواعد الشكلية:
 أو ما يسميه المشرع المغربي بالمسطرة الجنائية لأنه يهتم بموضوع القضايا الجنائية بل فقط بالإجراءات الواجب اتخاذها منذ وقوع الجريمة إلى حيث صدور الحكم أي قواعد المسطرة الواجبة التطبيق من طرف الأجهزة المكلفة بالعدالة الجنائية . وقواعد المسطرة الجنائية تعد ضرورية لأنها القواعد التي تضع القوانين الجنائية موضع التنفيذ.
 وتشمل المسطرة الجنائية القواعد المنظمة للبحث التمهيدي و القواعد المتابعة عن الجريمة والتحقق فيها ومسطرة محاكمة مرتكبي الجريمة بالإضافة إلى إجراءات الطعن في الأحكام الجنائية .
.
-مفهوم الجريمة:
 -الجريمة من زاوية علم الاجتماع يكون المقصود بها كل فعل ينبذه المجتمع ويستحق العقاب بغض النظر عن تأسيس عقوبة له في القانون أم لا.
-أما التعريف القانوني هو الذي أخذ به المشرع المغربي بقوله في الفصل 110 من القانون الجنائي:
” الجريمة هي عمل أو امتناع عن عمل مخالف للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه“.
 -أما التعريف الفقهي "الجريمة هي كل فعل أو امتناع صادر عن شخص قادر على التمييز يحدث اضطرابا اجتماعيا ويعاقب عليه التشريع الجنائي".
أركان الجريمة:
يتوقف وجود الجريمة على توفر ثلاثة أركان أساسية تسمى بالأركان العامة للجريمة وهي كالتالي:
-1 الركن القانوني:
 ومعناه ضرورة وجود نص قانوني سابق يحدد نوع الجريمة والعقوبة المطبقة عليها فإذا انتفى النص القانوني فلا وجود للفعل الإجرامي ولا مبرر لإيقاع العقاب وهذا الركن يعبر عنه في التشريعات الجنائية الحديثة بمبدأ الجرائم والعقوبات.
*مضمون مبدأ شرعية التجريم والعقاب
 هذا المبدأ هو ما يعبر عنه أحيانا بمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" وهو يعني أن إي تصرف للفرد ولو أضر بالآخرين لا يعتبر جريمة إلا إذا نص القانون الجنائي على تجريمه وحدد له عقابا على المخالف وأصل هذا المبدأ في الشريعة الإسلامية قوله "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" .
 ولأهمية هذا المبدأ فقد كرسه المشرع الجنائي المغربي في المادة الثالثة من القانون الجنائي "لايسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعتبر جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون".
 ويقضي مبدأ الشرعية في الميدان الجنائي بأن تكون قواعد القانون الجنائي من مستوى القانون أي أن تصدر عن السلطة التشريعية الممثلة في البرلمان بمقتضى 45 من الدستور المغربي وهو ما يؤكده الفصل 46 من الدستور الذي ينص صراحة في فقرته الثالثة على أن القانون يختص في "تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليها المسطرة الجنائية" .
*الغاية من هذا المبدأ
 الغاية من هذا المبدأ هي حماية الفرد من المشرع ومن القاضي فبمقتضى هذا المبدأ يتحتم على المشرع أن يحدد أفعال الإنسان التي يعتبرها جرائم والعقوبات المقررة لها فيكون الفرد بذلك على بنية من التصرفات التي يعاقب عليها القانون فيجتنبها ويسلم من العقاب .
 وتظهر الغاية من المبدأ في حماية الفرد من القاضي وذلك بالحد من سلطته التحكمية في الميدان الجنائي فلا يكمن للقاضي أن يجرم أفعالا لم يجرمها القانون ولا يمكنه أن يعاقب بعقوبات لم يحددها القانون كذلك .
 كما يرفع عن الأفراد ظلم السلطة التنفيذية التي لا يمكنها أن تعاقب عن أي فعل كان إلا بالعقوبة المحددة وبالضمانات التي قررها القانون.
*النتائج العامة المترتبة على المبدأ
يترتب على مبدأ الشرعية في الميدان الجنائي ضرورة التقيد بثلاثة قواعد أساسية هما:
الفقرة الأولى: قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي:
 مقتضى هذا المبدأ أن النص الجنائي لا يجوز أن يسري على الماضي وإنما على المستقبل فقط وبعبارة أخرى فإن قواعد القانون الجنائي لا تطبق على الأفعال التي ترتكب قبل الشروع في تطبيق القانون الذي ينص على تجريمها وبناءا على ذلك تلتزم المحكمة بتطبيق القانون الذي كان ساريا وقت ارتكاب الجريمة لا القانون النافذ وقت المحاكمة وهذا المبدأ يطبق فقط على قواعد الموضوع دون القواعد الشكلية أو الإجرائية .
*الاستثناء الواردة على المبدأ
يمكن أن تدخل على مبدأ عدم رجعية القوانين الاستثنائية التالية
 -القانون الاصلح للمتهم: هذا الاستثناء الهام من مبدأ "عدم رجعية القواعد الجنائية" كرسه المشرع المغربي في المادة 6 من القانون الجنائي التي جاء فيها "في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها يتعين تطبيق القانون الاصلح للمتهم" فإذا كان القانون الجديد هو الاصلح فن القاضي يطبقه على تلك الجريمة ولو انها ارتكبت قبل سريان مفعوله.
ولتطبيق هذا الاستثناء لابد من توفر شرطين :
ش1- يلزم ان يكون النص الجنائي الجديد اصلح للمتهم من القديم:
 قد يتدخل المشرع المغربي بطرق مختلفة ليجعل من القانون الجديد قانونا اصلح كأن يزيل الصفة الاجرامية عن فعل ما وأن ينزل به من درجة جنائية الى درجة جنحة وقد يعمد المشرع كذلك الى تخفيض عقوبة او تعويض عقوبة بعقوبة اخرى اقل شدة او تخفغيض مبلغ الغرامة وفي كل هذه الاحوال فإن القانون الجديد يطبق بأثر رجعي .
ش22-يلزم ألا يكون قد صدر حكم نهائي في موضوع الجريمة المرتكبة حتى يطبق عليها القانون الاصلح والمقصود بالحكم النهائي هو الذي لا يكون قابلا لأي طعن عاديا كان ام استثنائيا .
 وعلة هذا الاستثناء ان المشرع عندما يستبدل عقوبة اشد بعقوبة اخف او يقرر محو الجريمة او تغيير شروط التجريم فمعناه انه ادرك قساوة المقتضيات وعدم ملاءمتها لظروف الجتمع ولا مصلحة من الاستمرار في تطبيقها.
-2 الركن المادي :
 يعتبر الركن المادي أحد الأركان الأساسية التي تتحقق معها الجريمة، وهو النشاط المادي المجسد للفعل الإجرامي وهو يتحقق بارتكاب الجريمة تامة أو على الأقل تن تجري محاولة ارتكابها.
المطب الأول : الركن المادي في الجريمة التامة :
 يتحقق الركن المادي في الجريمة ا لتامة بتوافر ثلاثة عناصر أساسية (نشاط إجرامي-تحقيق نتيجة ضارة عن هذا النشاط-وجود علاقة سببية بين هذا النشاط والنتيجة).
*نشاط إجرامي :
 لا تسمح قواعد القانون الجنائي، كقاعدة عامة بالتدخل قبل ارتكاب الجريمة لا يعاقب على مجرد الأفكار والنوايا الإجرامية إلا إذا تحولت إلى نشاط مادي ملموس هذا النشاط الذي يعتبر العنصر الأول في الركن المادي للجريمة أما أن يكون ايجابيا (فهو عبارة عن فعل مادي يصدر من الشخص يتم بواسطة اليد كالضرب في جرائم القتل والإيذاء عموما، أو الاختلاس في السرقة أو كتابة عبارات القذف والسب في جرائم القذف)
 أما بالنسبة للنشاط السلبي فهو يتحقق بالامتناع أي بعدم القيام بما يوجب القانون القيام به في بعض الحالات(كعدم التصريح بالولادة-عدم الحضور للإدلاء بالشهادة-عدو تقديم المساعدة لشخص في خطر-انكارالعدالة) .
*نتيجة إجرامية :
 هي دلك الأثر المترتب عن نشاط الجاني ايجابيا كان أو سلبيا الذي يظهر في التغير الذي يحدث في العالم الخارجي، كّأثر ملازم لهذا النشاط، ففي جريمة القتل بنوعيه تكون النتيجة هي إزهاق روح الضحية، وفي جرائم الإيذاء بنوعيها عمديه وغير عمديه، تكون النتيجة هي ما أصاب المجني عليه من جراح أو كسور أو مرض، وفي جرائم الاعتداء على الأموال (سرقة-النصب-خيانة الأمانة) والنتيجة هي فقدان حق الملكية .
*وجود علاقة سببية بين الفعل والنتيجة :
 يعني أن يكون النشاط الإجرامي الفعل أو الامتناع هو السبب المباشر لصول النتيجة فإذا انتقلت العلاقة السببية وانعدمت الجريمة ويطرح هذا العنصر أشكالا كبيرا عندما تتضافر عدة أسباب أو تتابع فيما بينها، لكي تِِؤدي إلى حصول نتيجة معينة :
 مــــثــال : شخص يضرب شخصا أخر فيموت هذا الشخص تم يتضح فيما بعد أنه كان مريضا فهل تعتبر الوفاة نتيجة للضرب أو المرض ؟ . للايجابة عن هذا ا لسؤال اقترح الفقه 3 نظريات أساسية :
 +نظرية تكافؤ الأسباب : وتعني أن كل الأسباب تكون متكافئة فيما بينها وتوجد في نفس المرتبة أو بمعنى أخر فإن كل من يأتي نشاطات يكون من جملة الأسباب التي اسهمت في حدوث النتيجة إلا ويكون مسؤولا مسؤولية جنائية كاملة أخرى كانت أقوى أثرا في إحداث النتيجة..
 +نظرية السبب المباشر : وتقضي هذه النظرية بأنه يجب إهمال الأسباب البعيدة من حيث الزمن والاحتفاظ فقط بالسبب القريب زمنيا أي السبب المباشر الذي تبعه حصول النتيجة، فحسب هذه النظرية الجاني لا يسأل عن نشاطه إلا إذا كانت النتيجة الحاصلة متصلة اتصالا مباشرا بهذا النشاط.
 +نظرية السببية الملائمة : وهي تقول بضرورة البحث من بين كل الأسباب البعيدة منها والقريبة، عن السبب الذي من شأنه أن يؤدي عادة وبحسب المجرى العادي والمألوف إلى حصول النتيجة ومعناه استبعاد الأسباب العارضة أو الثانوية التي لا يمكن أن تؤدي بحسب المجرى العادي للأمور لتحقق النتيجة (المرض).
المطلب الثاني : المـحاولة
 المحاولة "هي الجريمة التي يبدل المجرم فيها كل ما في وسعه في سبيل الوصول إلى تحقيق النتيجة المقصودة دون أن يتأتى له ذلك نظرا لظروف خارجة عن إرادته". فهي إذن جريمة غير تامة لتخلف عنصر أساسي النتيجة الإجرامية ومع ذلك فالقانون ج م يعاقب عليها في حدود معينة.
1-النصوص المنظمة للمحاولة :
خص المشرع المغربي المحاولة بالفصول الآتية : ف1144"كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكابها إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى مهنا إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبيها، تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهدف الصفة"
ف115"لا يعاقب على محاولة الجنحة إلا بمقتضى نص خاص في القانون"
ف1177"يعاقب على المحاولة حتى في الأحوال التي يكون الغرض فيها غير ممكن بسبب ظروف واقعية يجهلها الفاعل".
2-عنـاصر المحـاولة :
 *الشروع أو البدء في التنفيذ : ويعني أن المجرم يبدأ و يشرع في تنفيذ الركن المادي للجريمة بأي عمل يهدف إلى تحقيق نتيجتها، فلا محاولة إذن إذا لم يبدأ الجاني في تنفيذ الجريمة أو لم يأت أي عمل لا لبس فيه يهدف مباشرة من ورائه إلى تحقيق جريمته.
 *انعدام العدول الإرادي : هذا العنصر يعني توقف المجرم عن إتمام الركن المادي للجريمة بسبب ظروف لا دخل لإرادة الجاني فيها. فهناك ظرف أو مانع خارجي يتدخل فيحول دون إتمام التنفيذ. وذلك كأن يرى المجرم أثناء قيامه بفعلته رجال الشرطة مقبلين نحو مكان الحادث، فهذا عدول غير إرادي.
3- صـور المحـاولة :
 *الجريمة الموقوفة : وهي التي تقف فيها أعمال التنفيذ لأسباب خارجية عن إرادة الجاني قبل أن يشغل ما أعده من الوسائل لاقتراف الجريمة كالقبض عليه، أو مقاومة المجني عليه، أو تدخل شخص من الغير لإنقاذه أو هروب الجاني لسبب من الأسباب خارجة عن إرادته.
 *الجريمة الخائبة : هي الجريمة التي لا تتحقق نتيجتها الإجرامية دون عدول من الجاني أو تدخل لأي عامل أجنبي رغم أن الفاعل استنفذ كل الأنشطة التي اعتقد أنها سوف توصله إلى النتيجة التي أرادها. ومثال ذاك أن يريد شخص سرقة مال شخص آخر وعندما يضع يده في جيبه يجده فارغا من النقود.
 *الجريمة المستحيلة : وهي الجريمة التي لا يمكن فيها أن تتحقق فيها النتيجة الإجرامية لأن ذلك مستحيل و غير ممكن و مثال ذلك « محاولة إجهاض امرأة وهي غير حامل “..
4-عقاب المحاولة ;
محاولة الجناية: يعاقب عليها بالعقوبة المقررة للجناية التامة الفصل 114
محاولة الجنحة: يعاقب عليها إذا نص القانون صراحة على ذلك بالعقوبة المقررة لهذه الجنحة الفصل 115
محاولة المخالفة: غير معاقب عليها إطلاقا الفصل 116.
 مثال: شخص وقف ليلا أمام متجر، فربما فعل ذلك لينظر إلى الملابس المعروضة داخل الواجهة الزجاجية للمتجر، أو ربما لسرقته.
 فحارس الأمن لا يمكنه استفسار هذا الشخص عن وقوفه، ولكن إذا شرع في تكسير الواجهة الزجاجية، وجب آنذاك التدخل وإيقافه لأن محاولة الجريمة تحققت.
3-الركن المعنوي :
 لا يكفي لتقرير المسؤولية الجنائية أن يصدر عن الجاني سلوك إجرامي ذو مظهر مادي بل لابد من توافر ركن معنوي الذي هو عبارة عن نية داخلية أو باطنية يضمرها الجاني في نفسه .
و يتخذ الركن المعنوي إحدى صورتين أساسيتين :
 إمّا صورة الخطأ ألعمدي : أي القصد الجنائي ، و إمّا صورة الخطأ غير العمدي :أي الإهمال أو عدم الحيطة .
-1 *الفاعل الأصلي والمساهم :
لم يعرف المشرع المغربي المساهمة وإنما تعرض للمساهم وذلك من خلال الفصل 1288 من القانون الجنائي حيث يقول: ” يعتبر مساهما في الجريمة كل من ارتكب شخصيا عملا من أعمال التنفيذ المادي لها”.
 ففي المساهمة يقوم كل واحد من الجناة بتنفيذ بعض الوقائع المكونة للجريمة كأن يقوم شخصان بتكسير باب متجر ويستوليان على محتوياته. وأيضا: شخص يسكب بنزين على دار وآخر يضرم النار فوقها. فالمساهم يكون فاعلا أصليا لأنه قام بعمل من أعمال التنفيذ المادي للجريمة. فالمساهمون يقومون بأعمال رئيسية لإخراج المشاريع الإجرامية إلى حيز الوجود، لذلك فهم فاعلون أصليون. وهم يستعيرون صفتهم الإجرامية من وقائع الجريمة.
الفاعل المعنوي :
ينص الفصل 1311 من القانون ج على أنه:” من حمل شخصا غير معاقب، بسبب ظروفه أو صفته الشخصية، على ارتكاب جريمة، فإنه يعاقب بعقوبة الجريمة التي ارتكبها هذا الشخص”.
 فقد يعمد شخص، سيئ النية إلى استغلال الوضع القانوني لشخص آخر بسبب ظروفه أو صفته الشخصية، فيسخره لارتكاب الجريمة، وذلك كأن يكون هذا الأخير عديم المسؤولية إما لجنون أوعته أو صغر في السن، فيأمره على ارتكاب جريمة اعتقادا منه أنه لن يتعرض للعقوبة لأن من ارتكب الفعل غير مسؤول، لكن المشرع توقع هذه الحالة وقرر معاقبة المحرض من أجل الجريمة، وهذا موقف طبيعي ومنطقي لأن الفاعل الحقيقي هو المحرض، أما الشخص الغير المسؤول والذي سخر لارتكاب الفعل ففعله، فإنه يعد مجرد أداة للتنفيذ مسخرة من طرف المحرض الذي يسمى في هذه الحالة بالفاعل المعنوي ويوصف أيضا في الكتابات الجنائية بالمجرم الجبان.
-2الـمشارك :
 إذا كان المشارك وخلافا للمساهم لا يرتكب أي عمل من أعمال التنفيذ المادي للجريمة، ولكن عمله يقتصر على مساعدة المساهم كأن يقوم بأعمال ثانوية غير داخلة في عناصر الجريمة مثال: أن يقدم سلاحا لشخص آخر ليستعمله في جريمة القتل. وهكذا يمكن القول أن المشاركين هم من يقومون بأعمال ثانوية في إخراج المشروع الإجرامي إلى حيز الوجود، وهم دائما يستعيرون صفتهم الإجرامية من الفاعلين الأصليين.
*الأفعال المكونة للمشاركة :
تنطرق المشرع المغربي إلى للمشاركة في الجريمة من خلال الفصل 1299 من القانون ج الأفعال التي تتحقق بها المشاركة وهي :
 - أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه، وذلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية أو تحايل أو تدليس إجرامي؛
-قدم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل مع علمه بأنها ستستعمل لذلك.
 -تساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها مع علمه بذلك.
 -تعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمه بسلوكهم الإجرامي.
*شروط تحقق المشاركة :
لتحقق المشاركة في الجريمة لابد من توفر شروط يحددها الفقه فيما يلي :
-ضرورة ارتباط المشاركة بفعل رئيسي معاقب عليه .
-جود فعل رئيسي منصوص على تجريمه في القانون الجنائي من نوع جناية أو جنحة.
-ضرورة توافر النية الإجرامية عند المشارك .
-وجود علاقة سببية بين فعل المشارك وبين تنفيذ الجريمة .
*عقاب المشاركة
ينص الفصل 1300 من القانون ج على أن: ” المشارك في جناية أو جنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجناية أو الجنحة”. ويضيف الفصل 131 أن الظروف الشخصية لا تؤثر إلا على من تتوفر فيه، أما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة فإنها تنتج مفعولها بالنسبة لكل المساهمين أو المشاركين حتى ولو كانوا يجهلونها.
أما المشاركة في المخالفات فلا عقاب عليها مطلقا كما ينص على ذلك الفصل 1299 من القانون ج في فقرته الأخيرة.
أسباب الأباحة و التبرير
: أسباب التبرير الواردة في المادة 124 من ق.ج :
كما سبقت الإشارة فالمشرع المغربي تطرق للأسباب التبرير في المادة 124 من قٌ.ج التي نصت على انه :
" لا جناية و لا جنحة و لا مخالفة في الأحوال الآتية:
- إذا كان الفعل قد أوجبه القانون و أمرت به السلطة الشرعية
 - إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة, أو كان في حالة استحال عليه معها, استحالة مادية اجتنابها, و ذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته.
 - إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غيره, بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء."
 كما يلاحظ فالمشرع أورد ثلاث حالات تجعل الفعل المقترف يخرج من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة متى توافرت احد تلك الحالات.
و للوقوف على تلك الظروف ارتأينا أن نتناول كل واحد منها في مبحث مستقل وفق ما سيأتي :
1: تنفيذ أمر القانون و السلطة الشرعية:
نصت المادة 1244 من ق.ج في فقرتها الأولى على هذا السبب و في ما يأتي سنفصل الحديث عن كل من الحالتين على حدة.
أ: إتيان الفعل تنفيذا لأمر القانون أو ما يعرف بأداء الواجب
 القاعدة أن تنفيذ أمر القانون –الذي يعتبر قياما بواجب- يبرر مختلف الأفعال التي اعتبرها المشرع جريمة و عاقب على إتيانها , و يلقى هذا القول تفسيره في الكثير من الأمثلة , فعندما يصدر حكم جنائي يقضي بالعقوبة على شخص من الأشخاص , تناولت إما أمواله أو حريته أو حياته, فانه متى أصبح هذا الحكم قابلا للتنفيذ , فان المكلفين بالتنفيذ يقومون به رغما عن إرادة المحكوم عليه , و مع ذلك لا يعتبرون مقترفين لأية جريمة , إن هم اقتضوا الغرامة المالية المحكوم بها , ا واو قيدوا حرية المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية, أو انهوا حياة المحكوم عليه بالإعدام , لان التنفيذ الذي قاموا به في كل تلك الحالات كان بأمر القانون , و عملهم ما هو سوى أداء للواجب الذي يفرضه عليهم.
 و أخيرا فان الشخص العادي الذي يقوم بالقبض على مجرم متلبس بجريمة من الجرائم, و يسوقه لأقرب مركز للشرطة, لا يكون قد ارتكب جريمة معاقبا عليها لأنه نفذ أمر القانون.
1- تحديد المقصود بأمر القانون:
يرتبط بتحديد المقصود بأمر القانون توضيح نقطتين :
الأولى:
 وهي إن أمر القانون لا يقصد به الحالة التي يوجب فيها المشرع, في نص صريح فعل شيء أو الامتناع عن فعله فقط, و إنما يمتد ليشمل الحالة التي يجيز أو يبيح فيها إتيان الفعل أو الترك دون إلزام بذلك
الثانية:
 و هي أن تنفيذ أمر القانون لا يقصد به تنفيذ الأمر المتضمن في نص تشريعي صادر عن البرلمان مثلا, و إنما يجب أن تفهم كلمة القانون بمعناها العام, بحيث تشمل الأمر المستفاد من القرارات الصادرة عن السلطات العمومية عموما, فمثلا القرار الوزاري الذي يلزم الأطباء بالتبليغ , أو الإخبار , عن كل حالة مرض معد تظهر لهم عند قيامهم بالكشف عن المرضى , يعد أمرا قانونيا في هذا المقام , بحيث إن قام احد الأطباء, و بلغ عن حالة معدية اكتشفها أثناء فحصه لمريض , فان فعله هذا يكون مبررا, لأنه مأمور بذلك قانونا , و لا يحتجن عليه في هذه الحالة بكونه قد خرق واجب الالتزام بالسر المهني.
 إلا أن ما يثير بعض الإشكال في هذا الصدد مسالة الرخصة الإدارية التي تسلم من طرف السلطات المختصة بقصد الإفادة من اختراع أو بيع مواد أو ما شابه , فهل مثل هذه الترخيصات الشائعة, تعتبر بمثابة "أوامر قانون", تجيز لأصحابها الاحتماء بها إذا ما حصل ضرر للغير من جراء استعمالهم لها في الأغراض التي استصدرت من اجلها تلك الرخص ,على اعتبار أن هذه الأخيرة بمثابة أوامر القانون.
 و مثال عن ذلك ما صدر في قرار عن محكمة السين الفرنسية الذي مفاده أن الترخيص الإداري الممنوح من طرف وزارة الصحة لشركة الأدوية لا يعتد به إذا ما نتج عن الدواء المرخص مضاعفات أو موت احد الأشخاص به , حيث تبقى المسؤولية الجنائية قائمة في جانب الشركة.
2- التبرير في حالة تنفيذ أمر القانون:
 إن أمر القانون وحده لا يكفي لقيام هذا السبب للتبرير الذي يتوقف- ظاهريا- على اجتماع شرطين أو عنصرين معا, و هما أمر القانون أولا , و أمر السلطة الشرعية ثانيا , فان هما توافرا معا انتهى الأمر حيث يكون الفعل إذ ذاك مبررا بلا خلاف, عملا بالفقرة الأولى من نص المادة 124 من ق.ج.
 ولكن الإشكال يطرح عندما يتوفر احد العنصرين فقط دون الأخر, كان يقوم أمر القانون- أو إذنه- دون أمر السلطة الشرعية- أو إذنها- أو العكس ففي مثل هذه الحالات هل نتواجد أمام سبب تبرير أم لا؟
الافتراض الأول: حالة توافر أمر القانون- أو إذنه- دون آمر السلطة الشرعية- أو إذنها-
 في هذا الافتراض يجب أن نميز بين نوعين من أوامر القانون, النوع الأول, وفيه يتوجه القانون بخطابه مباشرة إلى الرؤساء دون المرؤوسين, وفي هذه الحالة لا يكفي تواجد أمر القانون وحده لتبرير الفعل, بل لابد من توافر السلطة الشرعية و إلا اعتبر من قام بالفعل مسئولا عما اقترفه,
 أما النوع الثاني, ففيه يتوجه القانون بخطابه إلى الأشخاص الذين تكون مهمتهم تطبيق أوامر القانون مباشرة, و في هذه الحالة يكفي وجود أمر القانون وحده لتبرير الفعل و من ذلك ضبط المجرمين متلبسين وإلقاء القبض عليهم
الافتراض الثاني: حالة توفر أمر السلطة الشرعية- أو إذنها- دون أمر القانون- أو إذنه-
 يمثل لهذا الافتراض بحالة الرئيس الذي يأمر المرؤوس باقتراف أعمال يمنعها القانون بحيث يكون تنفيذها من طرف المرؤوس مفضيا إلى ارتكابه جريمة من الجرائم.
موقف المشرع المغربي:
بالنسبة للقانون المغربي يظهر بان صياغة الفقرة الأولى من نص المادة 1244 من القانون الجنائي تفيد بأنه في ضوئها لايمكن تبرير الفعل الذي لا يسمح به القانون و الذي ينفذه المرؤوس بناء على أوامر رؤساءه , لان الفقرة المذكورة تشترط لقيام التبرير في حالة أداء الواجب أن يكون الفعل قد أوجبه القانون أولا, و أمرت به السلطة الشرعية ثانيا, بحيث يبقى جريمة غير مبررة يعاقب
 عنها المرؤوس و الرئيس. إلا أن المشرع في بعض الحالات خول للمرؤوس إمكانية الاستفادة من بعض الأعذار المعفية ,حيث جاء في المادة258 من ق.ج ما يلي :
 " إذا اثبت القاضي أو الموظف العمومي انه تصرف بناء على أمر رؤساء في إطار اختصاصاتهم التي يتوجب عليه طاعتهم فيها فانه يتمتع بعذر معف من العقاب, وفي هذه الحالة تطبق العقوبة على الرئيس وحده. "
2: حالة الضرورة و القوة القاهرة
ينص الفصل 124 من ق.ج: "
لا جناية لا جنحة و لا مخالفة في الأحوال الآتية:
1 - ......
22 - إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة, أو كان في حالة استحال عليه معها, استحالة مادية, اجتنابها, وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته.
أ: حالة الضرورة
 المقصود بواقعة حالة الضرورة الحالة التي يرتكب فيها الشخص نشاطا إجراميا يلحق به أذى بنفس الغير أو ماله , و يكون الفاعل مضطرا إلى ارتكاب هذا النشاط المجرم بقصد المحافظة على ماله اوعرضه.
 و الغالب في حالة الضرورة, أن الخطر فيها ليس ثمرة فعل إنساني و إنما وليد لقوى طبيعية, و هذا ليس معناه أن إرادة الشخص تمحى, و إنما تتجرد من حرية الاختيار, و للتخلص من الخطر و مع تمتع الشخص بكامل الحرية يلجا إلى ارتكاب الجريمة.
كان هذا من جهة.
 من جهة أخرى حتى تعتبر حالة الضرورة قوة قاهرة, و مانعا من موانع العقاب يجب أن تتوافر الشروط الآتية:
1- وجود خطر على النفس آو المال:
 و في السياق نشير إلى أن معيار جسامة الخطر يتحدد بعدم قابلية الضرر الناجم عنه للإصلاح, أما إذا كان ممكن الإصلاح فالخطر لا يعد جسيما.
2- يجب أن يكون الخطر حالا:
 و مفاد هذا الشرط أن كل ظرف يوحي إلى خطر محتمل في المستقبل لا يستوي أن ينهض سببا لتبرير أي فعل مرتكب لدفعه.
3- ألا يكون للفاعل أي دخل في حدوث الخطر:
 و نورد في هذا السياق مثال من يحرق عمدا مكانا ثم يضطر في سبيل الفرار من النيران إلى إصابة شخص أخر اعترض طريقه, فهذا الشخص في هذه الحالة لا يستطيع أن يحتج بحالة الضرورة لان الفعل كان ناتجا عنه لا عن قوى خارجية.
4- يجب أن يكون الفعل متناسبا مع درجة الخطر:
 و يتحدد هذا المعنى طبقا للمعيار الموضوعي الواقعي الذي قوامه الشخص العادي إذا وجد في نفس الظروف الشخصية التي تعرض لها الجاني.
إذ الضرورة تقدر بقدرها دون تجاوز للحدود اللازمة للتخلص من ظروفها.
 و تأسيسا لما سبق يمكن القول, انه لا عقاب على من دفعته الضرورة للتخلص من ظروفها إذا ما توفرت الشروط السالفة الذكر, باستثناء الأشخاص الواجب عليهم بحكم عملهم التعرض للأخطار, كرجال الدفاع المدني و حراس الحدود.....الخ.
1- إثبات حالة الضرورة:
 إن عبئ إثبات حالة الضرورة تقع على عاتق المتابع الذي يدعي انه ارتكب الجريمة تحت تأثيرها , و محكمة الموضوع هي التي يرجع إليها امرالتثبت من مدى قيامها بشروطها كاملة أو انتفائها تبعا, دون رقابة عليها من طرف المجلس الأعلى إلا فيما يخص سلامة تكييف الوقائع.
2- أثار حالة الضرورة:
 إذا قامت حالة الضرورة بجميع شروطها تنتفي الجريمة أصلا, و لا تقوم بالتالي أية مسؤولية الجنائية في جانب الذي ارتكب الفعل المجرم و هو في حالة الاضطرار.
ب :القوة القاهرة:
لم يرد تعبير القوة القاهرة صراحة في المادة 1244 من ق.ج و إنما عبر عنها المشرع بالحالة التي يستحيل معها على الفاعل ماديا , اجتناب الفعل بسبب خارجي لم يستطع مقاومته.
_3 - حالة الدفاع الشرعي.
 إن اتجاه المجني عليه إلى استعمال القوة لإبعاد الخطر عنه يعبر عن حقيقة نفسية إنسانية هي الدفاع عن النفس ومقاومة العدوان, وعليه فإن القانون عند إباحته لحالة الدفاع الشرعي كان قد ارتكز على الواقع العملي للأشخاص, فتدخل لينظمه ويضع له قواعد أساسية لكي لا يساء استعماله.
 فالدفاع الشرعي حق يملكه كل شخص, ليرد على الاعتداءات غير المشروعة التي تستهدف شخصه أو ماله. لأن الدفاع الشرعي يصبح مشروعا في حالة وجود عدوان لم يتمكن المجتمع من التدخل لمنعه. من هنا نرى أن المشرع سمح للفرد بأن يقوم بما كان يجب أن تقوم به الدولة أو السلطة المختصة من حماية المجتمع.
وقد اختلف الفقهاء حول تحديد الأساس الذي يقوم عليه الدفاع الشرعي, وجاء الفصل 1244 من القانون الجنائي المغربي الذي نص صراحة في فقرته الثالثة على حالة الدفاع الشرعي كسبب من أسباب التبرير, ولذلك فالمشرع يسمح بالدفاع الشرعي للتصدي للخطر الذي حل بالشخص. ويصف هذا الدفاع أنه دفاع مشروع لانعدام القصد الجنائي عند صاحبه ولخطورة الاعتداء التي لا تتطلب الانتظار لتدخل السلطة المختصة. بالإضافة إلى ذلك تعرض المشرع إلى حالتين خاصتين من حالات الدفاع الشرعي في الفصل 125من القانون الجنائي.
فما هي الشروط التي يجب توافرها في كل فعل الاعتداء أو فعل الدفاع؟
أ: شروط الدفاع الشرعي:
لكي يكون هناك دفاع شرعي لا بد من توافر شروط لفعل الاعتداء وشروط أخرى لفعل الدفاع.
أولا:شروط الاعتداء:
أن يكون فعل الاعتداء غير مشروع.
بالرجوع إلى الفقرة الثالثة من الفصل 1244 ق.ج المتعلقة بالدفاع الشرعي, نجد أن المشرع تكلم على خطورة الاعتداء الذي يجب على الدفاع أن يكون متناسبا معه, ويفهم من هذا أن الدفاع الشرعي لا يجوز إلا إذا كان فعل الاعتداء غير مشروع, أي لا يعتمد على أمر من القانون أو على ترخيص منه .أما إذا كان فعل الاعتداء مشروعا فلا يصح استعمال الدفاع ضده مهما عرض الآخرين للخطر.
أن يكون الفعل اعتداء على النفس أو المال.
 أجاز المشرع المغربي حق الدفاع الشرعي ضد كل اعتداء ينصب على النفس أو المال, ويستوي في ذلك أن يكون الاعتداء موجها إلى نفس المدافع أو ماله أو إلى نفس أو مال غيره. وجعل هذا الدفاع الشرعي مطلقا في مواجهة الجرائم. ومفهوم النفس هنا يشمل كل الحقوق أللاصقة بشخص الإنسان فلا يقصد بالعدوان على النفس لمجرد الاعتداء على الحياة, وإنما ينصرف ذلك إلى جرائم القتل والضرب والجرح والحبس بدون وجه حق وهتك العرض والقذف. وهكذا يجوز الدفاع لصد الأخطار عن الحق في الحياة والحق في سلامة الجسم والحق في الحرية والحق في صيانة العرض والحق في الشرف و الاعتبار.
 أما جانب الاعتداء على الأموال فإن المشرع المغربي أباح الدفاع الشرعي ضد الاعتداء الذي يتهدد الأموال كجرائم السرقة و جرائم التخريب والإتلاف وجرائم الحرائق وغيرها من الجرائم المتعلقة الأموال.
3-أن يكون الاعتداء خطرا حقيقيا .
 يجب أن يكون خطرا حقيقيا يهدف مصالح المعتدى عليه لكي يستعمل الدفاع الشرعي بمعنى أنه لا يعتدي بالخطر الوهمي الذي قد يتصوره الإنسان فيظن أنه في خطر يهدده ويتصرف على أساس خاطئ وبالتالي هنا لا يكون في حالة دفاع شرعي .لذا فالقانون يستلزم قيام الخطر كشرط لقيام الدفاع الشرعي وهذا الخطر وجب أن يكون حقيقيا لأن أسباب الإباحة ذات طابع موضوعي ولا بد من توافرها حتى تنتج آثارها,
 فالقاعدة العامة هنا هي أنه إذا توافرت شروط الدفاع الشرعي ومنها أن يهدد الاعتداء بخطر حقيقي. فإن فعل المعتدى عليه يصبح مبررا ولو اعتقد خطأ بأنه ليس في حالة دفاع شرعي.وعلى العكس من ذلك إذا لم تكن هذه الشروط متوافرة إن فعل المعتدى عليه يظل غير مشروع ولو اعتقد خطأ بأنه في حالة دفاع شرعي.
4-أن يكون الخطر حالا .
 إن قيام حالة الدفاع الشرعي تتطلب وجود خطر في حال أي عدوان قد بدأ فعلا أو لم يبدأ بعد ولكنه على وشك الوقوع. ومعنى هذا أنه يمكن للشخص أن يكون في حالة دفاع لمجرد حلول الخطر أو يخشى منه حصول الاعتداء ويدخل في هذا أيضا الحالة التي يكون الاعتداء فيها قد بدأ ولكنه لم ينته بعد . فالشخص المعتدى عليه هنا له أن يتدخل ليمنع استمرار العدوان عليه لما له من حق في الدفاع الشرعي . لكون القانون جاء بهذا الحق لدفع الخطر لا لتوقيع العقوبة ولا للانتقام.ويمكن اعتبار الاعتداء منتهيا حينما تتحقق الجريمة، وقت انتهاء الجريمة يختلف باختلاف الجرائم وظروف ارتكابها. أما في حالة حدوث الخطر مستقبلا فهو خطر محتمل يمكن للشخص المهدد أن يلجأ إلى السلطات العامة لتحميه منه .
ثانيا :شروط فعل الدفاع .
 إن توافر شروط الاعتداء وحدها لا تكفي لقيام حالة الدفاع الشرعي وإنما لا بد من توافر شروط أخرى في فعل الدفاع وهذه الشروط هي:
أن يكون فعل الدفاع ضروريا ولازما
 يقصد بهذا الشرط أن عمل الدفاع الشرعي لا يقوم به الشخص إلا إذا لم يجد سبيلا آخر للدفاع عن نفسه بمعنى أن ارتكاب الجريمة كان هو الوسيلة لدفع الخطر. وإن كان هذا الخطر يسمح بالالتجاء إلى السلطات العامة دون أن تتعرض حقوق المعتدى عليه إلى الضرر فإن حالة الدفاع الشرعي لا تجوز وذلك لوجود وسيلة أخرى تدفع الخطر دون ارتكاب الجريمة.
 ويجب أن نشير أيضا إلى أنه لكي يكون الدفاع لازما لا بد أن يوجه إلى مصدر الخطر. فلا يحق للمعتدي عليه أن يترك المعتدي يوجه دفاعه إلى أشخاص ليست لهم يد فيما وقع من اعتداء وإلا سيسال جنائيا على فعله.
2- تناسب فعل الدفاع مع فعل الاعتداء
من خلال الفقرة الثالثة من الفصل 1244 ق.ج نجد أن المشرع المغربي استعمل عبارة" بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء " و عليه فإن القانون اشترط التناسب حتى لا يقع إفراط في استعمال حق الدفاع الشرعي. معنى هذا أن الدفاع الذي يهدف إلى منع الاعتداء و لا يتعداه فإنه يعتبر دفاعا مشروعا حتى ولو كان ضرره أكثر من ضرر الاعتداء. لأن فكرة التناسب لا تقضي أن تكون هناك مساواة مجردة أو حسابية بين الضرر الذي ينتج عن فعل الاعتداء و الضرر الذي يحدثه فعل الدفاع. بل التناسب أمر نسبي إذ العبرة هنا أن يثبت لدى المدافع أو أن الوسيلة التي استعملها كانت هي أنسب الوسائل أو كانت هي الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر، وبالتالي فإن الضرر الناتج عن هذا الاستعمال هو القدر المناسب لرد الاعتداء و على المستوى الواقع العملي فإن التناسب لا يمكن تحقيقه بشكل مدقق، ذلك أن المدافع لا يكون مطالبا إلا باستعمال حقه في حدود ما يبعد الاعتداء عليه فإذا استطاع أن يمنع الخطر عنه بفعل أقل ضررا و أقل جسامة من فعل الاعتداء فلا يجوز له اللجوء إلى ما يحقق ضررا أكبر. كما أن التناسب لا يعني أن يكون فعل الدفاع أشد من فعل الاعتداء. فالمرأة التي تقتل دفاعا عن
شرفها تعتبر في حالة دفاع مع أن القتل أخطر من الاعتداء على الشرف و العرض. متى كان القتل هو الوسيلة الوحيدة لدفع الخطر المحدق بها. وعليه فإن مسألة التناسب تتحدد حسب ظروف المعتدى عليه و الوسيلة التي استعملها.
ب :الحالات الممتازة للدفاع الشرعي ( المادة 125 ق.ج)
بعدما نص المشرع المغربي على الحكم العام للدفاع الشرعي تعرض في حالتين خاصتين في الفصل  125 ق.ج. ، بحيث أن المشرع لم يأت بشروط خاصة وإنما أقام قرينة قانونية على وجودها ، وتكون حالة الدفاع الشرعي قائمة في هاتين الحالتين بمجرد توافر شروطها دون أن يقع على عاتق المتهم عبئ إثبات الشروط العامة. و هذه القرينة هي قرينة قانونية بسيطة تقبل إثبات العكس وهذا يتناسب مع الهدف من تقرير حق الدفاع الشرعي الذي لم يجعله المشرع وسيلة للانتقام، و إنما هو ضرورة يلجأ إليها المدافع في حدود هذا الترخيص لحماية حق المعرض للعدوان. و إن تم تجاوز حدود الدفاع الشرعي فإن تجاوزه يحاسب عليه تبعا للقواعد العامة للمسؤولية الجنائية.
 و في الأخير فإن حالة الدفاع الشرعي من الأمور الموضوعية التي تختص بالفصل فيها محكمة الموضوع دون رقابة عليها من المجلس الأعلى، لأن واقع الدعوى هي التي يعتمدها قاضي الموضوع للقول بتوافر أو عدم توافر حالة الدفاع الشرعي، و تكون صحيحة ما دامت متسقة مع المقدمات و الحيثيات التي اعتمدت عليها، وللمجلس الأعلى سلطة الرقابة على محكمة الموضوع في النتائج التي تستخلصها من الوقائع و مدا مطابقتها للقانون بهدف تطبيق القانون بصفة صحيحة.
 و إذا ما ثبتت حالة الدفاع الشرعي فإنها تعد سببا من أسباب التبرير و تقضي على وجود المسؤولية الجنائية و المدنية معا..


الإبتساماتإخفاء